- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠1هدي النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
من لم يعدل بين من وكِّل بهم فعاقبته النار :
أيها الأخوة: الأحاديث اليوم موجهة إلى رجل تولى أمر عدة أشخاص, تحت يدك ثلاثة موظفين, أنت رئيس دائرة, تحت يدك معلمو مدرسة, أنت مدير مدرسة, تحت يدك أطباء, أنت مدير مستشفى, تحت يدك عمال, أنت مدير معمل, تحت يدك أولاد, أنت أب, تحت يدك بنات, أنت أب أيضاً, أصهار, أنت عم, أي إنسان له سلطة على مجموعة أشخاص هناك عدة أحاديث تقصم الظهر.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة، يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ))
في رواية:
((ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة))
حتى على مستوى عريف صف, إذا الله عز وجل ولاك منصباً قيادياً, جعلك رئيس دائرة, عندك أربع موظفين؛ لم تنصحهم, لم تعدل بينهم, لم تحفهم برعايتك, الجزاء بجهنم.
((إلا حرم الله عليه الجنة))
وأقرب شيء الأب وأولاده, الأب وبناته:
قال له:
(( إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي النُّعْمَانَ نُحْلًا، وَإِنَّ عَمْرَةَ سَأَلَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ : فَقَالَ : أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ، قَالَ : فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَ النُّعْمَانَ؟ قَالَ : لَا، قَالَ : فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ))
أهم شيء أن هذا الأمر ليس كل إنسان منا قاض, لكن كل إنسان منا أب, كل إنسان منا له أولاد, له أصهار, له بنات, له أقرباء, فإن لم يعدل, العقاب النار, لم يرح رائحة الجنة.
من لم يَرحم لا يُرحم :
هناك رواية ثانية, أو حديث ثان:
((ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم, وينصح لهم, إلا لم يدخل معهم الجنة))
أتباعه في الجنة وهو في النار, الذين تولى أمرهم في الدنيا هم في الجنة, وهو في النار.
سيدنا عمر سأل والياً ولاه أمور المسلمين: "ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ قال: أقطع يده، قال: فإذا جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك, إن الله قد استخلفنا عن خلقه, لنسد جوعتهم, ونستر عورتهم, ونوفر لهم حرفتهم, فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرهم, إن هذه الأيدي خلقت لتعمل, فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً, فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية".
وفي حديث آخر:
((اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ من أمْر أُمَّتي شَيْئا، فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ منْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئا فَرَفَقَ بِهِم، فَارفُق بهِ))
أحياناً إنسان بالمالية, تأتيه معاملة, يكلفه الرقم الأعلى، رقم خيالي, فلكي, أغلب الظن يصاب بجلطة على التكليف, على التبليغ، يقول لك: أنا لم أعمل شيئاً, أنا عبد مأمور, لا لست عبداً مأموراً, أنت عبد مطلقة يدك, لماذا لم يدفع لك فكلفته بالمبلغ الأكبر، معنى هذا أنك تستطيع أن تخفضها له بالأساس, بدأ بالحد الأقصى حتى يبتز, يظن نفسه ذكياً, يظن نفسه أنه حقق دخلاً كبيراً, يظن نفسه حل مشاكله, أنت وقعت في أكبر مشكلة, هي النار.
كل إنسان يقسو على الناس, يجهدهم, يشق عليهم, يضعهم في زاوية حرجة, الله عز وجل منتقم, ينتقم منه أشد الانتقام, وهناك قصص كثيرة بهذا الموضوع, كل إنسان لم يرحم الخلق عاقبته جهنم.
((إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي))
((مَا مِنْ أمِير يَلي أُمُورَ المُسلمينَ، ثم لا يَجْهدُ لهم، وَيَنْصَحُ لهم، إلا لم يَدْخُلْ مَعَهُمُ الجَنَّةَ))
أحياناً يكون هناك وعيد، مثلاً:
((من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله))
هناك أنواع كثيرة من الوعيد تمس جانباً من سعادة الإنسان, إلا أن هذا الذي يفعل مع الخلق هكذا أوعده الله بالنار.
من كان عادلاً كان أقرب إلى الله لأنه الله هو العدل :
وعن عياض بن خمار رضي الله عنه قال:
((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أهل الجنة ثلاثة؛ ذو سلطان مقسط, -يتصدق, موفق–, ورجل رحيم, رقيق القلب لكل ذي قربى, ومسلم عفيف متعفف ذو عيال))
رحيم, وعفيف, وعادل, أهل الجنة هؤلاء روادها؛ رحيم, وعادل, وعفيف.
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((إنَّ المُقْسِطِينَ عند الله, على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمينِ الرَّحْمنِ وكلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَِّذينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهمْ وَمَا وَلُوا))
أنا ألاحظ هناك آباء كثر يقعون من ظلم أولادهم في عوامل كثيرة, يكون متزوجاً من اثنتين, أولاد الأولى التي طلقها, أو التي هجرها, أو التي لا يحبها, لا يحبهم أيضاً, أولاد الثانية يعتني بهم, يكرمهم, يغطيهم, والابن عنده حساسية للعدل تفوق حدّ الخيال.
يقول لك: أبي أخذ لأخي بيتاً كبيراً, أنا أخذ لي بيتاً صغيراً, أبي دعا أخي يوم العيد على الغداء, أنا لم يدعني, ينشأ عند الأطفال أو عند الكبار حساسية مذهلة.
فالأب المؤمن الذي يرجو رحمة الله يعدل بين أولاده حتى في القبل؛ حتى في الابتسامة, حتى في العطاء, وكلما كنت عادلاً كنت أقرب إلى الله عز وجل, لأن الله هو العدل, هو الحق.
فلذلك الإنسان أحياناً يعبد الله ستين عاماً, ثم لا يعدل بين أولاده في الوصية, فتجب له النار, تصور من وصية, من توزيع أموال, ستون سنة تعبد الله, ولم تكن مقسطاً, وعادلاً في توزيع أملاكك, تجب النار لهذا الإنسان.
لذلك أنا أؤكد أن الدين ليس قضية عبادات, الدين في الأساس معاملات, والمعاملات تشمل كل جوانب الحياة, فعندما نفهم الدين عبادات لن نكون أصحاب دين:
((ترك دانق من حرام ,خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام))
الموقف العادل أروع شيء ترقى به عند الله :
وعن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ إمام عادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق في المساجد, ورجلان تحابا في الله, اجتمعا عليه, وتفرقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها, حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))
يعنينا من هذا الحديث: إمام عادل, للخُلُق أركان, أحد أركان الخلق العدل؛ فيجب أن تعدل, والذي ترونه في هذه الحياة تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً.
أي حتى على مستوى النظام العالمي الموحد, تجد دولة تخالف قرار الأمم المتحدة, تخالف قراراً واحداً فتُستباح أرضها, وثرواتها, وتعاقب, ودولة ثانية تخالف ستين قراراً ولا أحد يقترب منها, إلا باللوم, إلا بالاستنكار فقط, استنكار ولوم, هناك ظلم.
فالإنسان حينما يلي أمر الناس, ولا يعدل بينهم, يستحق غضب الله عز وجل.
سبحان الله! أحياناً الإنسان من جهله يلحق أعمالاً متعبة, لكن أجرها قليل, ويترك أعمالاً جليلة أجرها كبير, يلحق المفضول, ويدع الفاضل, قبل أن تؤدي الصلوات النافلة, يجب أن تعدل بين الناس.
أحياناً أب يسمع من ابنته, ولا يسمع من صهره, لا يكون عادلاً, اعتبر كلام ابنته منزلاً, وصهره لم يطلبه, سمع من ابنته, وأخذ موقفاً، وصهره إنسان، طرف آخر, اسمع منه.
دائماً وطن نفسك أن تسمع من الطرفين, تتفاجأ أنه يوجد مع الثاني معلومات دقيقة جداً, فكل إنسان يتكلم كما يريد, يتكلم الشيء الذي لمصلحته.
أنا القصة هذه خاتمتها, يتكلم لك كلاماً منطقياً, منطقياً جداً, ويختار نقاط الضعف المتعلقة بخصمه و يكبرها, والنقاط الإيجابية الخاصة به يكبرها, يصبح هو ملك, وخصمه شيطان, تأتي بالخصم, تجد العكس أيضاً, الثاني يتكلم نقاطه الإيجابية يكبرها, والسلبية المتعلقة بخصمه يكبرها, يصبح الثاني ملكاً.
فالإنسان إذا لم يكن صادقاً, و لا منصفاً, هذا لماذا يعيش؟ لماذا اسمه إنسان؟
أروع شيء ترقى به عند الله الموقف العادل, أي لا تأخذه في الله لومة لائم.